
تنفست الأرض الحياة من جديد وأصبحت السماء أكثر صفاءً، وبدأنا نسمع تغريد مختلف أنواع الطيور بوضوح تام وملاحظة ازدياد أعدادها -وذلك بعد حجر الإنسان! كذلك انتشرت مقاطع الفيديو لجراء الثعالب الصغيرة وهي تلعب بمرح في الكويت، وظهور أنواع كثيرة من الحيوانات في الكويت وفي مختلف الدول الأخرى. المدهش في الأمر استمرار الأجواء المعتدلة والنسيم البارد مساءً إلى هذا اليوم، وهو الأمر الغير معتاد حيث كنا نعتبر إبريل من أشهر الصيف الحارة في الكويت.
بالفعل، يبدو أن الأرض كانت بحاجة ماسة إلى “إجازة” من أذى الإنسان! ولربما كان الإنسان بحاجة لإجازةٍ من نفسه! فالإنسان الحديث في حالة دائمة من اللهاث المستمر حتى في أيام إجازته، فما أجمل أن نتريث قليلاً ونجدد طاقاتنا. فهل سنعاود الانغماس في حلقة مفرغة من الروتين العابث وتلويث البيئة بعد رفع الحجر دون أي تغيير يذكر؟ أتمنى بالفعل أن تكون تلك المؤشرات دافعاً للقيام بمبادرات فعالة –والأهم من ذلك تحرك الجهات المعنية نحو توجه أكثر لطفاً مع البيئة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتخضيرها، فالأمر أصبح غاية في الخطورة ولا يحتمل التأجيل.
يمكننا الاستثمار بتوفير الأمن الغذائي –ولو جزئياً- عن طريق زراعة بعض أنواع الخضار والفاكهة في منازلنا –كالطماطم والبطاطس والبطيخ والفلفلوالقرع والريحان وغيرها الكثير، كلها نباتات سهلة الزراعة ولا تحتاج إلى الكثير من الجهد لزراعتها -وذلك خصوصاً مع تحسن الطقس نسبياً بفضل الحجر المنزلي، ويمكننا زراعة الكثير منها داخل المنزل إن كان الطقس سيكون حجةً أو عذراً في الأشهر القادمة. ولنا في المزارع ناصر العازمي أسوة حسنة، حيث كان قادراً على زراعة مختلف الأصناف في الكويت كشجرة القهوة والشاي والككاو والمورينجا والهيل وأغلب أنواع الفاكهة والخضار، فصنع ما خاله البعض مستحيلاً. أتمنى أن ترعى الجهات المعنية مبادراته المميزة بشكل أكبر وأكثر جدية فهي مشروع عظيم له القدرة على تخضير الكويت وخلق الاكتفاء الذاتي بدلاً من الاستيراد المستمر للمنتجات الزراعية من الخارج.
للأسف، فإن انعدام الثقافة الزراعية –والاطلاع بشكلٍ عام- جعل الكثير يستهزئ بفكرة تخضير الكويت وتحسين الطقس عن طريق تقليل التلوث وتكثيف الزراعة وكذلك استخدام المواد البنائية الملائمة للبيئة، وها هو الحجر الصحي يذكرنا كل يوم ما جنته أيدينا من إفساد للطبيعة ونقاء الهواء.
كذلك قد أتتنا فترة الحجر الصحي بالكثير من الدروس في مختلف جوانب الحياة، فذاق الكويتي ما كان يكابده الوافد من مشقات العمل وسوء معاملة البعض له وذلك عن طريق التطوع في الجمعيات والمطارات والمحاجر الصحية، فللمتطوعين كل الشكر والتقدير على شجاعتهم وجهودهم المبذولة. ومع حلول الشهر الفضيل لا بد أن نكفي عن الآخرين أذى لساننا، خصوصاً من خرجوا من منازلهم تحت هذه الظروف الخطرة لخدمة الكويت. ولابد أن نقتصد في موائدنا، فلا داعٍ للمبالغة والتبذير –لا سيما تحت ظل الظروف الحالية،ورمضان أيضاً فرصة للإحسان وتذكر من هم أقل حظاً من الفقراء والعاملين بأجور يومية، فلا تنسوهم.
يببدو أن الحجر قد علمنا الكثير عن البساطة والاقتصاد في المعيشة، فنحن لسنا بحاجة إلى السفر دوماً إلى أقاصي البلاد كي ننعم بالراحة والاسترخاء، ولسنا بحاجة إلى التبذير في التسوق كي نشعر بالإشباع، بل يمكننا إنماء الطبيعة وصنع الجمال في بيئتنا المباشرة هنا. كل ما نحتاجه ها هو ما بين أيدينا، فما أجمل القناعة والاكتفاء. إن كنت تنتظر انتهاء الحجر بفارغ الصبر كي تعود إلى حياتك القديمة فقد فاتك الدرس!
“هناك إنسان ما يستريح تحت شجرة ما، لأن أحدهم غرس هذه الشجرة منذ زمن طويل.” -سوفوكليس
دانه الراشد
مناقشة
التعليقات مغلقة.