تقرأ الآن
Uncategorized

“عجز النظام الاقتصادي” بقلم:عبدالله حسين

الثقافة الاستهلاكية هي ظاهرة اجتماعية واقتصادية تشجع الأفراد على استملاك أكبر قدر من السلع والخدمات بصورة متزايدة. انتشرت هذه الظاهرة في معظم ما يطلق عليه العالم المتطور أو الغربي، حتى بات الإنسان اليوم يعمل فقط من أجل الحصول على أكبر دخل كي يستملك أكبر قدر ممكن من السلع. عملت الشركات العالمية –وبمباركة من بعض حكومات الدول الكبرى تحت مسمى النيوليبرالية أو العولمة- على نشر هذه الظاهرة في معظم دول العالم منذ أكثر من ٥٠ عاماً. كانت تتم هذه العملية على منهجيتين أساسيتين وهما: أولاً، زيادة حجم الأسواق بإدخال دول جديدة للسوق العالمي وزيادة القطاعات الاقتصادية التي تقودها الشركات الخاصة كقطاع الصحة و التعليم و غيرهم. وثانياً، العمل على زيادة تركيز الاستهلاك للفرد عبر التحكم بوسائل الإعلام والتي تُستخدم كمنصة لتغيير العادات الاجتماعية ونمط الحياة نحو الاستهلاكية بشكل أكبر.كان لهذه الظاهرة الجديدة نسبياً آثار مدمرة اجتماعياً، حيث تم تسطيح المفاهيم والقيم الإنسانية العميقة كمفهوم السعادة وكذلك تدمير العلاقات الإنسانية الاجتماعية عن طريق عزل الأفراد وتجزيء الجوانب المختلفة من حياتهم. أما الآثار السلبية اقتصادياً فهي تعظيم شأن القطاع المصرفي وزيادة الديون والفروق الطبقية، بالإضافة إلى الآثار السلبية الجمة التي تهدد البيئة. لكن في الوقت ذاته، كان لهذه المَكَنة الاستهلاكية جانب إيجابي نوعاً ما ضَمَن استمرارية وجودها وشرعنتها بالنسبة للداعمين لها، حيث أن زيادة الاستهلاك مرتبطة بزيادة الإنتاج، مما يساهم في زيادة مدخول الدولة عبر فرض الضرائب وزيادة أعداد الموظفين في هذه الشركات، وقد ساهم ذلك برفع عدد كبير من الناس عن خط الفقر -خاصة في الدول الآسيوية. 
والآن لنذهب للواقع الإقتصادي الحالي في الكويت، محاولين تشخيص الدورة المالية في الكويت حتى نفهم عمق الخلل في النظام الاقتصادي هنا. أولاً، نبدأ بالإيرادات، فمعظمها يأتي من عملية بيع النفط للسوق العالمية، ثم يتم صرف هذه الإيرادات على الرواتب والدعوم التي تصل لمعظم المواطنين، من ثم تُصرف على المشاريع الرأسمالية الحكومية، ثم المشاريع الإنشائية في البلاد، ويتم أخيراً استثمار جزء منها في صناديق الاستثمار السيادية. يحمل القطاع الخاص في هذه الدورة أهمية كبرى من حيث استحواذه على أكبر نسبة من دخل النفط إما مباشرةً عبر الصفقات مع الحكومة للقيام بالمشاريع الإنشائية أو تشغيل المرافق الحكومية، أو بشكل غير مباشر عبر تحكمه في معظم السوق الكويتي، فيحصل بذلك على الجزء الأكبر من الرواتب والدعوم. ينفق القطاع الخاص هذه الإيرادات كمقابل للواردات القادمة من الخارج، فتُصدّر هذه الأموال للخارج وأيضاً يتم صرفها على صورة رواتب. و بما إن معظم الموظفين في القطاع الخاص من الوافدين فهم أيضاً يصدرون نسبة كبيرة من رواتبهم للخارج، وعادة ما يرجع ما تبقى من إيرادات القطاع الخاص لأصحاب الشركات الذين هم بدورهم يستثمرون نسبة كبيرة من هذه الأموال في الخارج. إذاً، فإن الدورة المالية في الكويت تبدأ بأموال بيع النفط و تنتهي بتصدير معظم هذه الأموال للخارج، ولهذا يمكن وصفها بأنها غير مستدامة -بل وليست دورة حتى. 
والآن لنأتي للثقافة الاستهلاكية في الكويت، حيث يبدو واضحاً مدى انتشار هذه الظاهرة في الكويت -وبنفس الأساليب والطرق العالمية. فنلاحظ زيادة المجالات التي بات القطاع الخاص يتحكم بنسبة كبيرة منها، كقطاعي الصحة والتعليم. نلاحظ أيضاً تحكم القطاع الخاص في وسائل الإعلام ودعم مشاهير التواصل الاجتماعي للعمل على زيادة تركيز الاستهلاك للفرد.المُستغرب بالكويت هو وقوف الحكومة إلى جانب القطاع الخاص بشكل مباشر وصريح، وهنا بعض الأمثلة الكبرى على ذلك: خصخصة محطات تحلية المياهـ وإصدار تأمين عافية، وتقديم البعثات الداخلية للطلبة الجامعيين. أيضاً تشجع الحكومة القطاع الخاص بشكل غير مباشر عبر تطبيع انتشار الفساد الإداري كأمر عادي ومقبول، وفشل تشغيل وصيانة المرافق الحكومية مما يساهم في توجيه الناس للقطاع الخاص كبديل أفضل، ووصول البعض للظن أن حل مشكلة الفساد هو الخصخصة.لانتشار هذه الظاهرة في الكويت انعكاسات اجتماعية سلبية جمة، خصوصاً في مجتمع مترابط يضع للعائلة والعلاقات الاجتماعية قيمة كبرى. حيث انتشرت الفردانية والطمع وغياب الوعي الاجتماعي ومفهوم مصلحة الجميع. فأصبح أغلبية الكويتيين يسعون إلى عيش حياة بذخ مكلفة وغير معقولة اقتصادياً مهما كانت الوسيلة، متأثرين بلوحات الإعلانات الضخمة ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، حيث سهلت القروض وانتشار الفساد القدرة على استدامة نمط المعيشة الاستهلاكي هذا.أما انعكاساتها السلبية اقتصادياً فهي المساهمة في نمو قطاع خاص ذو إنتاجية منخفضة يعتمد على وفرة ورخص العمالة الوافدة في تطوره لا على تطوير التكنولوجيا، حيث لا يشارك القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد الوطني عبر دفع الضرائب أو تدريب وتعيين المواطنين على سبيل المثال. إضافة إلى ذلك فإن القطاع الخاص هو السبب الجذري في خلق وتغذية الثقافة الاستهلاكية في الكويت. 
أما السؤال الآن فهو: كيف يمكننا الخروج من هذه الدورة المالية الغير مستدامة والاستهلاكية المدمرة للإنسان وللبيئة؟في الكويت، دائماً ما تكون الحكومة أقوى طرف في المعادلة السياسية، ولهذا فهي المسؤول الأول عن الحالة الاقتصادية الحالية وهي المسؤول الأكبر على إحداث التغييرات اللازمة. إن الواقع الحالي يثبت أن أكبر مكون للاقتصاد المحلي هو القطاع الخاص فمعظم إيرادات النفط تنتهي في حسابه، لذا فإن من أهم الخطوات التي يفترض على الحكومة القيام بها هي تعديل بنية هذا القطاع وتصحيح وضعه، وذلك عبر تقليل اعتماديته على العمالة الوافدة أولاً، وفرض الضرائب المتصاعدة عليه وتشغيلها في تنمية الاقتصاد الوطني ثانياً. أما ثالثاً فهو تشجيع القطاع الخاص في الدخول في القطاعات ذات الانتاجية العالية والقطاعات التي يمكن تصدير البضائع للخارج من خلالها بدلاً عن الاعتماد الكلي على الاستيراد.إن الحكومة أيضاً مسؤولة بالطبع عن محاسبة الفاسدين في القطاع الحكومي، حيث من المفترض أن تنشئ جهات رقابية أقوى وذات قدرة سياسية على التدخل وإصلاح الفساد. أما الشعب فيقع على عاتقه المسؤولية الأهم، فهو الطرف الوحيد في المعادلة السياسية الذي يستطيع إرغام الحكومة على عمل إصلاحات اقتصادية حقيقية تحافظ على حقوقه في مواجهة توسع القطاع الخاص. في الختام علينا أن نعرف أن المشكلة التي نعاني منها أكبر من مجرد عجز سنة واحدة فحسب وأكبر من مجرد فساد إداري، لذا فإن الأمل الوحيد للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية هو القيام بإصلاحات جذرية في النظام الاقتصادي الكويتي.

مناقشة

التعليقات مغلقة.

من نحن؟

اتحاد الشباب الديمقراطي الكويتي، منظمة من الشباب والشابات المؤمنين بقيم الديمقراطية والعدالة الإجتماعية والتسامح، والعاملين من أجل تطوير الذات، والهادفين لترسيخ هذه الممارسات في أوساط الشباب عبر توفير بيئة صحية خالية من التعصب القبلي والمذهبي والتزمت الديني، وخالية من التمييز الجنسي والطبقي، بحيث يمكن للشباب الإلتقاء في ظل هذه البيئة والتداول في شؤونهم وشؤون مجتمعهم. منظمة تناضل مع الشباب و من أجله لتأمين حقوقهم ولرفع مستوى وعيهم وإشراكهم في الحياة العامة بهدف إصلاح الواقع السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي.

%d مدونون معجبون بهذه: