تقرأ الآن
Uncategorized

“إلى ارواح الشهداء” بقلم: فهد ماهر

مر عامان منذ أن أرتقى شهداء مسجد الإمام الصادق بعد أن امتدت إليهم أيادي الغدر والخيانة والإرهاب، مر عامان منذ أن قدمت لنا الأحداث صفعة مدوية أفاقتنا من مرض الطائفية الذي تمادينا في الانغماس به، مر عامان منذ تلك اللحظات المرعبة والبشعة، والتي صبرنا عليها متكئين على تلاحم وانصهار جميع معاشر المجتمع لنخلق ملحمة عنوانها وحدتنا الوطنية وإيماننا بأرضنا وشعبنا لا بطوائفنا وقبائلنا، مر عامان منذ أن تهاوت أجساد شهدائنا وارتقت أرواحهم الطاهرة وتشابكت معها جميع أيادينا لننسى لأيام معدودة كل تقسيماتنا الساذجة والعنصرية التي أحلت علينا الوبال، مر عامان وبضعت أيام على تفجير مسجد الإمام الصادق.

ولكن هل من مُدكر؟ بعد سنتين من أحداث تفجير مسجد الإمام الصادق ومحاولة جر الكويت إلى دوامة الإرهاب والعصف المذهبي عاد النسيج الكويتي إلى تراخيه الاجتماعي، فقد عادت الأكف التي تصفق لكل خطاب عنصري بغيض أو طائفي نتن، عادت بعض النخب الاجتماعية لاستكمال مشروعها بتصنيف الكويتيين لفئات وهمية غير حقيقة وتوزيع الولاء والانتماء على أساس هذا التصنيف، عدنا مجدداً لدوامة الشيعة والسنة والحضر والبدو، تلك الجدلية السخيف والتقسيمة الغبية والتي تم تكريسها بشكل ممنهج وأصبحت محركًا رئيسًا لرسم المواقف السياسية والاجتماعية، وكذلك منهجًا للتعاطف في بعض القضايا والتنكيل في قضايا أخرى. ولكن لماذا؟

إن وجود مجتمع واعي بطبيعة الصراع الحقيقي في البلد، أي الصراع بين مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة بنظامها المدني والديمقراطي والتقدمي والمشروع المضاد الهادف إلى إعادة دولة المشيخة والعشائرية المتخلفة، سيسبب ضغطًا وإرباكًا للسلطة، بل أن هذا الأمر سيجعل السلطة تتراجع – ممتعضةً – عن مشروعها، وهذا يعتبر أحد أهم الأسباب التي خلقت فكرة تقسيم المجتمع إلى طوائف ومشارب غير متناسقة سياسيًا، وغير مجتمعة على هدف وطني بقدر ما أنها تحاول تحقيق أرباح سياسية قبلية أو مذهبية توفر لها الفرص، بعد أن حصرت السلطة الفرص بالنخب السياسية القبلية والمذهبية لضمان استمراره.

لقد استغلت السلطة أدواتها منذ القرن الماضي في بناء هذا المشروع الهادف لتقسيم البلد، فقد صنفت المناطق السكنية بطريقة فئوية غريبة وغير متداخلة، وقد عكفت السلطة على تذييل أسماء المواطنين بالانتماءات القبلية بطريقة غير مبررة كذلك, ومن ثم استعانت السلطة بحليفها الذي تبرزه وتواليه متى احتاجت – التيار الديني – فقد كان هذا التيار بشقيه السني والشيعي وسيلة سهلة وسريعة التأثير في خلق مجتمع منقسم إلى فريقين متناحرين سياسيًا واجتماعيًاً في أوقات عديدة، فهذه التيارات تخلق وعي زائف غير حقيقي فنرى التيار الإسلاموي السني يهيب أتباعه باحتمالية انفلات الحكم من أيديهم، وفي الطرف الثاني نرى التيار الإسلاموي الشيعي يهيب أتباعه بجدلية الوجود والزوال، وعند المعارك السياسية يتم استخدام نفس المنطق لتوجيه بوصلة المواطنين نحو التوجيهات السياسية السلطوية لتأييدها ودعمها، وكذلك استطاعت السلطة بأدواتها خلق أنظمة انتخابية تكرس ذات الطابع الفئوي وتعززه.

في الحقيقة كانت السلطة الكويتية ذكية جدًا في نوع الفئوية التي أرادت أدلجت الشعب بها، فقد عمدت على خلق طائفية وردية غير طافحة على سطح الحياة ولكنها تطفح فوراً عند الوصول إلى عملية سياسية وجب القيام بها، فنرى المجتمع بسطحه مجتمع متماسك ولكن عند الوصول إلى انتخابات مجلس الأمة أو الاتحادات الطلابية أو جمعيات النفع العام أو النقابات العمالية نرى بأن القبلية والطائفية تكونان المحرك الرئيس، ويُعزى ذلك لمحاولة تتفيه دور هذه الكيانات والجعل منها مجرد كيانات شكلية لا تحقق أي تأثير سياسي حقيقي لعلم السلطة بمدى تأثيرها وقدرتها على تشكيل وعي سياسي حقيقي لذلك هي ترى بأن هذه الكيانات يجب أن تكون بأيدي الأشخاص غير المناسبين.

إن الأجواء الرائعة التي عشناها بعد تقديم بلدنا لسبعة وعشرين شهيد من لحمة وتكاتف ونسيان للانتماء المذهبي والقبلي هو حل للمشكلات السياسية في البلاد إلى جانب العديد من الحلول، فهذه الأمراض والأوبئة تؤثر على حياتنا الاجتماعية بشكل وبآخر وتهدد بشكل صريح الجبهة الداخلية في البلاد مما يسهل عملية جر الكويت للحرب الطائفية المشتعلة في المنطقة، وعليه علينا التكاتف ورمي اختلافاتنا خلف ظهورنا وتوجيه بوصلتنا نحو هدفنا الاستراتيجي، ألا وهو استكمال بناء الدولة الكويتية الحديثة بطبيعتها المدنية والديمقراطية والتقدمية والذي لا يستقيم في مجتمع طائفي وقبلي.

ختامًا، هنيئًا لشهداء مسجد الإمام الصادق شهادة العز والفخر التي جعلت منهم أرواحًا مقدسة نستذكرها في كل
لحظة انقسام، شكرًا لشهداء مسجد الإمام الصادق لتقديمهم درسًا لا يُنسى لأهمية اندماج المواطنين وتوحيد بوصلتهم لوصولهم إلى هدفهم، عذرًا لشهداء مسجد الإمام الصادق؛ لأننا لم نتعلم الدرس بعد.

مناقشة

التعليقات مغلقة.

من نحن؟

اتحاد الشباب الديمقراطي الكويتي، منظمة من الشباب والشابات المؤمنين بقيم الديمقراطية والعدالة الإجتماعية والتسامح، والعاملين من أجل تطوير الذات، والهادفين لترسيخ هذه الممارسات في أوساط الشباب عبر توفير بيئة صحية خالية من التعصب القبلي والمذهبي والتزمت الديني، وخالية من التمييز الجنسي والطبقي، بحيث يمكن للشباب الإلتقاء في ظل هذه البيئة والتداول في شؤونهم وشؤون مجتمعهم. منظمة تناضل مع الشباب و من أجله لتأمين حقوقهم ولرفع مستوى وعيهم وإشراكهم في الحياة العامة بهدف إصلاح الواقع السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي.

%d مدونون معجبون بهذه: