توافد العديد من سُكان الأقاليم المجاورة وحتى البعيدة إلى الكويت بشكل متواتر على مر التاريخ، حاملين معهم ثقافاتهم الإجتماعية و الدينية بشكل متباين وغير متناسق من ديانات و أعراق مختلفة مما خلق لدينا مزيج فريد من نوعه بنسبة إندماج عاليه في حين وضِع دستور دولة الكويت في عام ١٩٦٢، والذي كرس هذا الإندماج وجعل من المواطنين سواسية وفق المواطنة الدستورية لا وفق دياناتهم أو أعراقهم.
ثٓبّت الدستور في مادتيه الأولى و الثانية هوية البلاد و شخصيتها بأنها دولة تنتمي إلى الأمتين الإسلامية و العربية و يمكن تفهم هذا الأمر طبعاً حيث أن الدستور أتى مزامنةً للعديد من القضايا الإيدولوجية و قضايا الهوية في الوطن العربي، ولكن هذا التثبيت للهويه لايعني أبداً بأن المواطنون العرب أو المسلمون هم الوحيدين المواطنون من الدرجة الأولى، وقد نظم الدستور المواطنة الدستورية في المادة السابعة حيث ذكر فيها “العدل و الحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين” وذكر كذلك في مادتة التاسعة و العشرون على أن “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق و الواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين” و نص في مادتة الثلاثون على أن “الحرية الشخصية مكفولة” و كذلك إستخدم المشرع لفظ “المواطن” المجرد في مواد الدستور دون إرفاق أي لفظ آخر فئوي عليه، مما يجعل المواطنة في هذا الدستور مواطنة عامة عابرة للطوائف و الأعراق.
يترتب على ماسبق ذكرة عدم جواز تقسيم المواطنين لأي إعتبار -بما يتعلق بالحقوق المدنية- فلا يجوز حرمان أي مواطن من ممارسة حقه في التعبد أو اعتناق الطائفة الدينية التي يختارها، فهذه الحريات الشخصية مكفولة ولا يجوز لأي جهة حكومية أو خاصة مسائلة المواطن عن دينة أو عرقة ومعاملته بنائاً عليهما، وكذلك حق إنشاء المعابد و ممارسة العقيدة أمام الملأ بما لا يخالف النظام العام أي الآداب و الأعراف الإجتماعية ، ويعزى تفاوت المراكز الدينية لطوائف عن الأخرى بسبب التركيبة الإجتماعية ذات الأغلبية الكاسحة للمسلمين لا إلى تمييز معين لهم أمام باقي المواطنين من الغير مسلمين.
وهنا يقع السؤال، لماذا تصر التيارات الدينية على اعتبار الغير مسلمين من الكويتيين مواطنين من الدرجة الثانية و تنكث بقسمها الذي ينص على إحترام الدستور و قوانين الدولة و الذود عن حريات الشعب، في الحقيقة يعيش التيار الإسلامي في الكويت صراع هوية عميق مع ذاته، فمازال هذا التيار عبارة عن مسخ لا يستطيع تطبيع العلاقة مابين إيدلوجيته و دستور البلاد، فتراه دائماً يسعى خلف قمع الحريات الشخصية والتي كفلها الدستور، ويسعى لجعل أي مواطن غير متفق معه دينياً مواطن من الدرجة الثانية رغم أن الدستور رفض هذا التمايز في مادته التاسعة و العشرون، ويخوض أبناء هذا التيار الإنتخابات البرلمانية ويقسمون على إحترام الدستور كي يخالفوه و يقوضوا موادة.
لا أدعي هنا إلى عزل التيار الديني بالإقصاء المتعمد ولكني أدعوهم فعلياً إلى مراجعة خطابهم و الإلتفات للقضايا الشعبية من ملاحقات و اعتقالات وسحب جناسي و رفع الدعوم و التضييق المعيشي و ترك قضايا “الكروس فيت” و ” شجرة الميلاد” و “المايوهات” ، رغم يقيني بتوجههم و بوصلتهم المنحرفة.
مناقشة
التعليقات مغلقة.