بيان بشأن ظاهرة الجرائم
تتفاقم الجرائم في غياب الرعاية الاجتماعية والإصلاح السياسي
يتابع “ملتقى الشباب الديمقراطي” في الكويت بقلق تداعيات جريمة القتل التي وقعت في أحد المجمعات التجارية يوم السبت الموافق 22 ديسمبر 2012، وذلك لما يكشفه الحدث عن مشاكل دفينة في المجتمع، وتحديدا بين الشباب، تجد جذورها في غياب البيئة الاجتماعية الحاضنة وفي تعطل الإصلاح الثقافي والاقتصادي والسياسي الشامل في الدولة.
ونؤكد بداية بأنه لا يجوز التعامل بسطحية مع مثل هذه الحادثة المؤلمة، بحيث يتم إرجاع أسبابها لطيش الشباب أو لطبيعة إجرامية ما في هوية المتهم، من حيث كونه غير حامل للجنسية الكويتية، فالقضية أهم من أن تكون ضحية التحليل الانفعالي والعنصري، ولا بد من استيعاب أن هذه الجريمة إنما هي مظهر يطفو على سطح مشاكل اجتماعية عميقة لها عدد من الأسباب.
ومن أهم أسباب انحراف الشباب وصولا لارتكاب الجرائم البشعة البيئة العامة السيئة التي باتت تعاني منها الكويت، فمراكز استثمار طاقات الشباب وأوقات فراغهم محدودة وغير متاحة لجميع فئات الشباب، وبعضها يتطلب إمكانات مادية لا تتوافر لدى جميع الطبقات في المجتمع، سواء من المواطنين أو الكويتيين البدون أو الوافدين، إضافة إلى شيوع الثقافة الاستهلاكية التي لا تُعلي من قيمة الحياة الجادة واستثمار الهوايات، إنما تشجع على التسكع والمفاخرة والاستعلاء على الغير، الأمر الذي يصل أحيانا لحد المفاخرة بالقدرة على التعدي على الآخرين وإرهابهم.
ولعل الوجه الآخر للمتاعب المادية والفراغ الذي يعيشه الشباب نابع من البطالة المهنية، والتي وصلت وفق آخر إحصاءات ديوان الخدمة المدنية لمعدل 21,303 عاطلا وعاطلة عن العمل، وهو عدد مرتفع قياسا على مجتمع غير معتاد على ظاهرة البطالة، ناهيك عن البطالة المقنعة العائدة لسوء الإدارة العليا في الدولة، نضيف لذلك ظاهرة المسرحين من القطاع الخاص، وتبعث هذه العوامل الثلاثة عند الشباب والمجتمع عامة شعورا بالخواء وغياب المعنى في الحياة، وبالتالي الاستهتار والخروج على مجتمع واقتصاد فشلا في توفير سبل العيش الكريم للجميع.
ولا ننسى هنا دور ثقافة الاحترام والتسامح في كبح جماح الرغبة في التعدي على حقوق الغير واستسهال الجريمة، ونشير إلى أن سيادة ثقافة الكراهية والتعصب لا يساعد في خلق تجانس اجتماعي بين مكونات المجتمع، علما بأن التعليم كثيرا ما يلعب دورا في إذكاء هذه الثقافة السيئة، سواء عبر ارتهانه لتوجهات سياسة ودينية معينة أو لقلة كفاءته في معالجة المشاكل التربوية.
وتجب الإشارة إلى أن مشاهد الجرائم البشعة لا تقتصر على الأفراد، بل توجد أمثلة لها من حولنا في الدولة وأجهزتها الأمنية، ومنها قضية اعتقال أحد المواطنين وتعذيبه حتى الموت، وكذلك الحملة الأمنية لقمع حرية التعبير والتظاهر، واعتقال الناشطين السياسيين الشباب وسوء معاملتهم ومحاولة ترهيبهم، المقصود هنا أن العنف والتعدي على حقوق الغير ليس مقتصرا على جرائم الأفراد، بل مظهره الأخطر يوجد في الدولة.
إن الأسباب التي أشرنا إلها أعلاه، مثل غياب الرعاية الاجتماعية والبطالة وشيوع الثقاقة الاستهلاكية والمتعصبة ومثال الدولة السيء، هذه الأسباب إنما هي جزء من مجموعة أعم من محفزات انتشار الجريمة، خصوصا في أوساط الشباب، وهي من الأسباب التي لا تُذكر كفاية في نقاشاتنا العامة، ونحن في “ملتقى الشباب الديمقراطي” نعتبر الشباب محور تركيزنا، وبالتالي لا يمكن إغفال المعاني التي تكشفها جريمة القتل المؤسفة عن واقع الشباب.
ولعل الجريمة الأليمة تكون تنبيها لضرورة المبادرة بتطوير الخدمات الاجتماعية، وقيام الدولة والقطاع الخاص بدورهما في توفير الفرص الوظيفية للشباب، وتغيير الثقافة الاستهلاكية والمتعصبة نحو ثقافة إنسانية متسامحة، وكذلك الإصلاح الشامل في الدولة، خصوصا في الأجهزة الأمنية، ومحاسبة المتعدين على حقوق الناس في الدولة كما يُحاسب الأفراد العاديون، فالمثال في هذه الأحوال أجدى من الوعظ.
الكويت في 25 ديسمبر 2012
ملتقى الشباب الديمقراطي
مناقشة
التعليقات مغلقة.